لقد حضرنا عبر السنين ما يكفي من الإيجازات السرية لمعرفة تفاصيل التهديدات الأكثر خطورة التي تواجه أمننا القومي وطريقتنا في الحياة، وعرفنا من خلال ذلك أن أحد أوجه الضعف والانكشاف التي نعاني منها والتي تقض مضجعنا دوماً هي حالة الأمن المعلوماتي لأمتنا. وكان من رأي مديري الاستخبارات الوطنية، سواء في عهد بوش الابن أو أوباما، أن الهجوم الإلكتروني هو أخطر تهديد يمكن أن يواجه وطننا في المدى الطويل. وشرح الأدميرال مايك مولين،الرئيس السابق لهيئة الأركان الأميركية المشتركة، المسألة بشكل أكثر وضوحاً، عندما قال إن الهجمات الإلكترونية تمثل أحد التهديدين الوجوديين الرئيسيين للولايات المتحدة، أما التهديد الآخر هو تهديد الصواريخ النووية الروسية. -غير أن هذا التهديد الأخير يعتبر مع ذلك، تحت السيطرة. والمرء ليس بحاجة لحضور إيجازات سرية كي يفهم السبب الذي يجعل التهديد المعلوماتي على هذه الدرجة الفائقة من الخطورة، والذي يتمثل في أن المنظومات الكمبيوترية التي تدير بنيتنا التحتية الحرجة من مرافق، ومواصلات، واتصالات سلكية ولاسلكية، وشبكات مالية... تزداد ترابطاً وتعقيداً على الدوام، وتصبح بالتالي أكثر تعرضاً للتخريب. والهجمات المكشوفة على تلك المنظومات تثير الخوف، لكن مما لاشك فيه أن السرقات الإلكترونية المستمرة للملكيات الفكرية، والتي تمت في صمت خلال السنوات العديدة الماضية، قد تسببت في أضرار جسيمة لأمننا القومي والاقتصادي، وذلك بعد أن نجح الهاكارز (القراصنة الإلكترونيون) في اختراق جميع الشبكات المؤسسية التي يمكن تخيلها، بدءاً من شبكات قواعد المعلومات الخاصة بمؤسسات مقاولي الدفاع المحتوية على معلومات أمنية مهمة، إلى المنظومات المعلوماتية لقطاع الأعمال المحتوية على بيانات حساسة وأسرار تجارية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث نجد أن مجرمي الفضاء المعلوماتي، يسرقون الأفكار والأبحاث والمعادلات والمصادر، والرموز المشفرة، وخطط المفاوضات، والتصميمات والمخططات الأميركية... على نطاق واسع. وعلى مدى سنوات طويلة ظل أعضاء الكونجرس والسلطة التنفيذية معاً، يناقشون أدوار ومسؤوليات القطاع الخاص والحكومة الأميركية المتعلقة بالفضاء المعلوماتي. وفي حين أن الحكومة تستطيع -ويجب عليها- اقتسام المعلومات مع القطاع الخاص حول الهجمات المحتملة، وتلك التي تتم بالفعل، بالإضافة إلى مناقشة أفضل الممارسات التي يمكن من خلالها مواجهة أكثر الهجمات تطوراً، فإن ما يجب أخذه بالاعتبار في هذا السياق هو أن النماذج التقليدية للدفاع عن الدولة لا تنطبق بشكل تام على البيئة الافتراضية المملوكة لأفراد. ومن هنا فإن التعامل مع خطر الهجمات التي تتم في الفضاء المعلوماتي كان، ويجب أن يكون دائماً، مسؤولية القطاع الخاص بالدرجة الأولى. وبشكل مبسط أكثر، يمكننا القول إن تلك المسؤولية تمثل تكلفة ممارسة الأعمال التجارية في القرن الحادي والعشرين. حتى فترة قريبة لم تكن تلك المسؤولية مجهولة بالنسبة لمديري ومسؤولي الشركات المدرجة في أسواق المال. وذلك قبل أن تقوم "لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية" (SEC) في الثالث عشر من أكتوبر الماضي بإصدار توجيه تاريخي لتوضيح التزامات الشركات في الكشف عن المخاطر والحوادث "المادية" المتعلقة بالأمن المعلوماتي. ويشار في هذا السياق إلى أن قانون الأوراق المالية الفيدرالية قد ظل لفترة طويلة يطلب من الشركات الإبلاغ عن المخاطر والأحداث "المادية" المتعلقة بالفضاء المعلوماتي أي عن المعلومات التي قد يحتاج المستثمر العادي لمعرفتها قبل الإقدام على اتخاذ قرار استثماري. لكن ما كان يحدث في الواقع قبل الإجراء الذي اتخذته اللجنة هو أن بعض الشركات لم تكن تعرف الكيفية التي تمكنها من الاضطلاع بهذا الواجب، أو حتى ما إذا ما كان الواجب ينطبق على معلومات أمن الفضاء المعلوماتي. هذه الحقيقة أبرزتها مراجعة قامت بها لجنة التجارة في الكونجرس الأميركي لمعرفة مدى التزام الشركات الأميركية بالكشف عن تلك المعلومات، وتبين من خلالها أن هناك عدداً كبيراً من الشركات لم تبلغ في الأصل عن تلك المخاطر لسنوات طويلة. ويتوقع الخبراء أن يؤدي التوجيه الصادر عن "لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية" إلى إحداث تغيير جوهري في هذا الوضع من خلال إثارته للأسئلة التي لم تكن تثار سابقاً من قبل العديد من الشركات الأميركية. وسوف يتعين على شركات ومؤسسات الأعمال الآن النظر في مسألة ما الذي يمثل اختراقاً "مادياً" للأمن المعلوماتي، والكيفية التي يتم الكشف بها عن مثل هذه الحوادث للمستثمرين، وكذلك الكيفية التي يتم بها قياس قيمة الملكية الفكرية، وما إذا كان قد تم إعداد الدفاعات المناسبة عن تلك الملكية، وما إذا كان ثمة إجراءات لتخفيف تلك المخاطر على النحو السليم، سواء من خلال التقنيات الدفاعية، أو عبر التغطية التأمينية الملائمة. إن توجيه "لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية" لا يقدم إجابات عن هذه الأسئلة، وليس هذا من شأنه أصلاً. فالتهديدات المعلوماتية والتقنيات،والمخاطر المعلوماتية، في حالة تطور دائم، وهو ما يستلزم بالتالي أن تكون إجابات الشركات عن تلك الأسئلة في حالة تطور دائم هي الأخرى. إن بلدنا يتعرض لهجوم معلوماتي، وأمننا القومي ومستقبلنا الاقتصادي يواجه مخاطر داهمة في الوقت الراهن، ومما لا شك فيه -على ضوء ذلك- أن توجيه اللجنة المذكورة يمثل خطوة غاية في الأهمية نحو تحسين أمننا المعلوماتي بشكل عام. جاي روكفلر سيناتور ديمقراطي من ويست فرجينيا مايكل شيرتوف وزير الأمن الداخلي الأميركي في إدارة جورج دبليو بوش ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس"